في الجزء الأول من هذه السلسلة، التي كتبها Andrew White وقمت بترجمتها، استعرضنا مفهوم القانون “الذكي” وكيف يمكن أن يتجاوز مجرد الاعتماد على التكنولوجيا ليشمل توثيق المعرفة القانونية وتوظيف المنهجيات الذكية. ناقشنا كيف أن الخبرة القانونية ليست مجرد معرفة بالنصوص والتشريعات، بل تتضمن أيضًا أساليب التفكير واتخاذ القرار التي يكتسبها المحامون من خلال ممارستهم اليومية.
في هذا الجزء الثاني، سنواصل استكشاف أبعاد القانون “الذكي”، مع التركيز على كيفية تسخير هذه المعرفة وتطبيقها بشكل منهجي لتقديم خدمات قانونية أكثر كفاءة وقيمة. سنناقش كذلك كيف يمكن للمحامين توثيق خبراتهم العملية وتحويلها إلى أدوات قابلة للاستخدام تساهم في تحسين خدمة العملاء وتعزيز كفاءة العمل القانوني.
أين يتم تطبيق القانون “الذكي” بالفعل
في الحقيقة، تقوم العديد من المنظمات القانونية بتدوين منهجياتها بالفعل. تنشر شركات المحاماة الكبرى أدوات الامتثال القانوني التي تعتبر في الواقع منهجيات للتعامل مع اللوائح المعقدة والمرهقة في كثير من الأحيان، أو يقدمون خدمات باشتراكات مدفوعة لنفس الغرض. مثال آخر هو مجموعة قوائم مرجعية التي يستخدمها المحامون عند إبرام المعاملات المالية أو معاملات الشركات. وفي الوقت نفسه، لم تتمكن العديد من الفرق الداخلية من العمل دون وجود قواعد ومنهجيات متفق عليها، مثل تلك التي تحدد معايير التفاوض على عقود العملاء.
إن مزودي المعرفة الخارجية مثل Thomson Reuters (من خلال Practical Law) هم في الركب أيضًا. في عام 2017، أطلقت منظمة Practical Law “Matter Maps“، والتي وُصفت بأنها “خرائط أنشأها بعض الخبراء للمراحل والمهام الخاصة بالتنقل والتخطيط وتنفيذ الأمور القانونية” (وهو ما يبدو مشابهًا لما أسميه بالمنهجيات). تشمل المواضيع المقدمة رفع دعوى أمام محكمة العمل، وإجراء تقييم لمخاطر الرشوة، وإنشاء مشروع تجاري عبر الإنترنت، وغيرها الكثير.
أمثلة على الأدوات “الذكية”.
فيما يلي مثالين للمنهجيات “الذكية” التي شاركت فيها، وشاهدت تأثيرها.
- توطين العقود العابرة الحدود (تكييفها محليا)
ومع توسع الشركات على المستوى الدولي، فإن التحدي الذي يواجهه الكثيرون هو “إضفاء الطابع المحلي” على عقودهم بحيث يتم تطبيقها بموجب قوانين وطنية مختلفة. وينطوي ذلك على تكييف عقودهم النموذجية، مع الابتعاد بأقل قدر ممكن عن الشروط القياسية الموجودة مسبقًا. وتسمى هذه العملية “التوطين أو التكييف المحلي” للعقد. من وجهة نظر مكتب المحاماة، يمكن أن يكون العمل متكررًا تمامًا، سواء كان العمل المتوسع في مجال البرمجيات، أو البيع بالتجزئة، أو الطاقة، أو علوم الحياة، أو أي قطاع آخر، فإن غالبية مهام توطين العقود متشابهة – تكييف الضمانات، ووضع حدود المسؤولية القابلة للتنفيذ، وتعديل حقوق الإنهاء، وضمان ترتيبات نقل ملكية فكرية صالحة، و قريباً. يستطيع المحامي ذو الخبرة الذي يتعامل مع التوطين (التكييف المحلي للعقود) أن يقرأ قائمة المهام الأساسية عن ظهر قلب تقريبًا. يمكنه أن يتوقع “التدفق”.
على هذه الخلفية، بدأت في عام 2010 مشروعًا لبناء منهجية لتوطين العقود – مجموعة عامة من أدوات المعرفة العملية للتعامل مع التوطين (التكييف المحلي للعقود) بطريقة مبسطة. وهي تتألف من مخططات انسيابية وقوائم مرجعية وروابط لمحتوى قانوني متعمق و أسئلة يجب طرحها أثناء العملية. وكانت النتيجة هي جعل العملية المتكررة عملية منهجية، مع الاعتماد على مدخلات العديد من المحامين الذين كانوا يتعاملون مع التوطين (التكييف المحلي للعقود)، والذين قمت باستخلاص وجهات نظرهم. وفي عام 2011 قمنا بتوسيع الأدوات لتشمل الولايات القضائية الأوروبية وكذلك المملكة المتحدة. في عام 2023، أصبحت أدوات التوطين (التكييف المحلي للعقود) هذه مطلوبة ومستخدمة. وعلى حد تعبير أحد المحامين: “هذه الأمور تجعل حياتنا أسهل بكثير”.
- مراجعة اتفاقية عدم الافصاح
المثال الثاني يتعلق بالتعامل مع اتفاقيات عدم الإفصاح (NDAs). يعد هذا نشاطًا روتينيًا للعديد من إدارات الشئون القانونية. غالبًا ما تظهر اتفاقيات عدم الإفصاح في وقت مبكر من المعاملات، للتحكم في مشاركة المعلومات السرية أثناء المفاوضات. المشكلة هي أن اتفاقات عدم الإفصاح التجارية ذات سمعة سيئة، لأنها كثيراً ما تؤدي إلى اشتباك الأطراف في مفاوضات قانونية، في حين أن كل ما تريده الأطراف حقاً هو “المضي قدماً” في الصفقة. منذ عدة سنوات، قمنا بتطوير مجموعة من أدوات دعم القرار الخاصة باتفاقية عدم الإفصاح – وهي مجموعة من المنهجيات العامة لمحاولة تسريع العملية دون المساس بالدقة أو الاجتهاد المهني، ولفتت تلك الأدوات الانتباه إلى مجالات المخاطر الرئيسية عند تلقي مسودة اتفاق عدم الإفصاح، والمعرفة العملية السرية، وحددت الخطوات التي يجب اتخاذها عند الكشف عن معلومات سرية أو تلقيها، والمزج بين القانون الأساسي والخبرة العملية. يعرف العديد من المحامين العاملين في إدارات الشئون القانونية هذه الخطوات، فهم يعيشونها وينفسونها فعليًا، ولكن من خلال استخلاص الخطوات في منهجية عامة، تمكنا من تبسيط العملية، وتسريع الوصول إلى التوقيع، وتمكين المحامين من تحويل تركيزهم من النقاط الروتينية في مراجعة اتفاقية عدم الإفصاح إلى المساهمة برؤيتهم حول الأجزاء الصعبة من الصفقة.
لا يعد توطين العقود أو مراجعة اتفاقيا عدم الافصاح من المجالات التي تستحوذ على العناوين الرئيسية، أو تعتبر مبتكرة. ويشار إليهم بالعامية باسم قانون “الأساس الضروري”. هناك العديد من الأمثلة الأخرى، منها الحديثة بما في ذلك كيفية ذكر القوة القاهرة بموجب العقد، والحصول على الملكية الفكرية في البرمجيات من طرف ثالث.
تقع مثل هذه العمليات في منتصف نطاق القيمة القانونية الذي وصفته سابقًا. ومن خلال جعل تعاملهم أكثر نمطية و”إعادة هندسة” الخدمة، يمكنك تحقيق مكاسب تجارية حقيقية. ربما “يعتبر” هذا أمرًا مبتكرًا. من المؤكد أنها “تعتبر” “ذكية”.
إن فهم أبعاد القانون “الذكي” لا يقتصر فقط على استخدام التكنولوجيا، بل يمتد إلى تطوير منهجيات قانونية قابلة للتطبيق تعكس خبرة المحامين ومعرفتهم المتراكمة. في هذا الجزء، استعرضنا أهمية تسخير هذه المعرفة وتحويلها إلى أدوات تساعد على تقديم خدمة قانونية أكثر احترافية واستدامة.
في الجزء القادم من هذه السلسلة، التي كتبها Andrew White ، سنواصل الغوص في هذا الموضوع، مع التركيز على الإطار التنظيمي لـ (سمارت لاب) والفائدة التجارية له في شركات المحاماة وأقسام الشؤون القانونية. تابعوا معنا لاكتشاف المزيد حول مستقبل الخدمات القانونية “الذكية”.