في عالم الأعمال القانونية اليوم، أصبح مصطلح “الذكاء” شائعًا في كل مكان— بداية من العملاء الذين يبحثون عن خدمات قانونية “ذكية“، إلى شركات المحاماة التي تدّعي تقديم حلول متطورة، وصولًا إلى مزودي التكنولوجيا القانونية الذين يروجون لمنتجات “ذكية“. لكن ماذا يعني حقًا أن تكون الخدمة القانونية “ذكية“؟ هل يتعلق الأمر فقط باستخدام التكنولوجيا، أم أن هناك أبعادًا أخرى أكثر عمقًا؟
في هذه السلسلة، أشارككم مقالة كتبها أندرو وايت – Andrew White، والتي تفضل بمشاركتها معي. يقدم أندرو في هذا المقال رؤية فريدة حول القانون “الذكي“، تعود إلى أساسيات المهنة القانونية وتطرح إطار عمل جديد أسماه “سمارت لاب“، يساعد على تقديم خدمات قانونية أكثر كفاءة وابتكارًا. من خلال استكشاف العلاقة بين المعرفة القانونية والخبرة العملية، و يناقش كيف يمكن للمحامين والشركات الاستفادة من المنهجيات الذكية لتقديم قيمة حقيقية للعملاء.
القانون الذكي – أدوات ومنهجيات مبتكرة وبناء سمارت لاب
بقلم أندرو وايت
ما هي الخدمة القانونية “الذكية”؟
يبدو أن مفهوم قانون الأعمال “الذكي” موجود في كل مكان، العملاء يبحثون عن “الذكاء“، تحرص الإدارات القانونية في الشركات على العمل “بذكاء“، تدعي شركات المحاماة أنها تقدم حلولاً “ذكية“، ويقول بائعو التكنولوجيا القانونية إن منتجاتهم “ذكية“.
ولكن ما هو القانون “الذكي“؟ أود في هذه المقالة أن أصف أحد مكونات الرؤية “الذكية” من خلال العودة إلى بعض الأساسيات التي يقوم عليها عمل المحامين، واقتراح إطار عمل – أسميه سمارت لاب – للحفاظ على الخدمات “الذكية“.
تتمحور الرؤية حول “العميل“, وهي ذات تقنية منخفضة نسبيًا، وتعتمد على رؤية المحامي ومعرفته وسرد القصص. سأقدم بعض الأمثلة على الأدوات الذكية، و كذلك أسلط الضوء على فوائدها، و أصف بعض العناصر الأساسية للخدمات الذكية التي يمكن تنفيذها من قبل شركات المحاماة و فرق الشئون القانونية بالمؤسسات.
أبعاد الخبرة القانونية
إن وصف القانون بأنه “عمل معرفي” هو أمر نمطي للغاية. لكن ماذا يعني هذا؟
أحد الجوانب هو معرفة المحامي بالقانون نفسه، وأين يمكن العثور عليه. فهناك التشريعات، واللوائح، والأحكام القضائية، والنماذج، وإجراءات المنازعات، والكتب القانونية، وقواعد البيانات وما إلى ذلك. وهذا كله موثق.
ولكن هناك جانب ثان – وهو معرفة كيفية اسقاط القانون على مواقف بعينها، وإيجاد الحلول للعملاء، وعلى النقيض من المحتوى القانوني الموثق، وفي كثير من الأحيان لا يتم تسجيل هذه الفئة من المعرفة، ولا يمكن البحث عنها، وتتواجد في أغلب الأحيان في أذهان المحامين ولا يمكن نقلها إلا بين الفينة و الفينة. إن عمليات التفكير بديهية ويتم تحسينها من خلال الخبرة.
يحمل العديد من المحامين خرائط في أذهانهم، تغطي عمليات معالجة مهمات معينة، قد تأخذ الخريطة شكل قائمة مرجعية، أو مخطط انسيابي، أو رسم تخطيطي، أو “كتيب ارشادات” (أي مجموعة أدوات من النصائح والاستراتيجيات). أو قد لا يكون الأمر أكثر من مجرد إحساس غريزي بكيفية التعامل مع المهمة.
غالبًا ما يستخدم مصطلح “المعرفة القانونية” لوصف هذه المجموعة الثانية من المعرفة، شخصيا أفضّل استخدام مصطلح “المنهجيات“.
إذا سألت محامية قضائية محنكة عن كيفية حصولها على أمر قضائي، فربما تتابع سلسلة من الخطوات، بطريقة عالية المستوى وشبه رسمية، وكأنها تقول: “أستطيع أن أفعل ذلك عملياً وعيناي مغمضتان”. إذا سألت محامي المعاملات المتمرس كيف – على سبيل المثال – يمكنه حل بعض حالات عدم اليقين حول ملكية التكنولوجيا في صفقة ما، فسوف يقرأ بسهولة الخطوات عالية المستوى التي يجب اتخاذها.
ومع ذلك، إذا طلبت من هؤلاء المحامين تقسيم العملية إلى أجزاء عامة صغيرة الحجم، فمن المرجح أن يقولوا إما أنه ليس لديهم الوقت، أو “أنا فقط أفعله”. لقد طلبت ذات مرة من أحد محاميي التعاقد الخارجي البارزين والحائزين على جوائز أن يرسم لي كيف يعقد صفقة الاستعانة بمصادر خارجية على مستوى أوروبا. فأجاب بهذه الكلمات: “يمكنني إجراء هذه المعاملات دون تفكير، ولكن من فضلك لا تضعني في غرفة وتطلب مني وصف الخطوات – أجد أنه من الصعب حقًا القيام بذلك بشكل مجرد”.
القانون “الذكي” ومنهجيات التسخير
فكما تشير هذه القصة، هناك نوع من الحكمة والخبرة الموجودة في أذهان المحامين المتمرسين. أحد الأهداف الرئيسية للقانون “الذكي” هو تسخير منهجيات المعرفة هذه بشكل منهجي، وتوثيقها، واستخدامها لتلبية احتياجات العملاء وشركات المحاماة، سأوضح هنا كيف يمكن أن يؤدي ذلك إلى تحسين خدمة العملاء، وتسريع التكامل الدولي، وتحسين أداء التكنولوجيا القانونية. إن هذه الفوائد التجارية هي التي تكمن في قلب أي استراتيجية قانونية “ذكية” حقيقية.
لا تصلح جميع المنهجيات لنهج قانوني “ذكي” – أي أن تكون معيارية وعامة.
في أحد طرفي طيف القيمة القانونية هناك معاملات تحدث “لمرة واحدة” ــ المعاملات أو الحالات الفريدة، والتي غالبا ما تكون محددة للغاية بحقائق محددة، قد يفوز المحامون الذين يقدمون مثل هذه الأمور بجوائز الصناعة ويتلقون إشادة سخية من الزملاء والعملاء، لكن ظروف و خلفية تلك الحالات قد لا تحدث مرة أخرى أبدًا، أو نادرًا ما تحدث.
وعلى الطرف الآخر من طيف القيمة القانونية، توجد عمليات الخدمة القانونية التي تعتبر ميكانيكية للغاية، والتي لا تنطوي في الواقع إلا على القليل جدًا من التقدير أو الحكم لتنفيذها، فهذه تصلح لأتمتة وإدارة العمليات “التامة” تقريبًا.
ولكن بين طرفي طيف القيمة القانونية هناك أرضية مشتركة ضخمة، مليئة بالخدمات القانونية التي تتمحور عادةً حول مجموعة متكررة من الأسئلة والمهام، حيث يجب اتخاذ الخيارات وممارسة الحكم، فمن ناحية، يكون العمل معتادًا ومألوفًا، ويمكن توقع «تدفقه» مسبقًا، والتخطيط له، ومن ناحية أخرى، فمن المؤكد أنه لا يمكن تشغيلها آليًا، ويحتاج المحامي إلى جلب الخبرة والحدس للتأثير على كيفية تحقيق أفضل النتائج.
هذه هي المجالات التي تصلح لنهج قانوني “ذكي“، ويترتب على ذلك أن المنهجيات القيمة ستكون تلك التي هي:
- أساسية – بمعنى أنها تعكس الخبرة الأصيلة للمحامي، و التي تتضمن قطاعات محددة حيث يتعامل مع حجم كبير من المسائل المماثلة.
- موجودة – مما يعني أنها لم تتم كتابتها من الصفر، ولكنها تُستخدم في سياق تقديم خدمة العملاء، ويمكن تحويلها من أدوات خاصة بالعميل إلى أدوات عامة.
- من المحتمل أن تكون معيارية – بمعنى أنه يمكن تقسيم الخدمة إلى “وحدات” منفصلة يمكن ربطها في عملية منهجية.
- غير هرمية – مما يعني أن العمليات قد تكمن في أذهان كبار المحامين أو المحامين المبتدئين الذين يتعاملون مع نفس النوع من العمل على المستوى اليومي، والذين تجاوزت خبرتهم خبرة قادة فرقهم.
- لم يتم طرحها في السوق بعد – بعض المنهجيات راسخة جدًا لدرجة أنها ليست مميزة، ولكنها أصبحت معايير منشورة للسوق. إنها مهارة لتحديد منهجية عامة في وقت مبكر، قبل أن تصبح شائعة ومتاحة بسهولة للجميع.
إن تحويل الخدمات القانونية إلى خدمات “ذكية” لا يعني فقط تبني التكنولوجيا، بل يتطلب فهمًا عميقًا للمعرفة القانونية، والخبرة المكتسبة عبر الزمن، والقدرة على توثيق المنهجيات وتطبيقها بفعالية. فبين الأتمتة الكاملة والخدمات القانونية التي تعتمد بالكامل على المهارة البشرية، هناك مساحة هائلة للإبداع والابتكار، حيث يمكن للمحامين الجمع بين خبرتهم وأدوات ذكية لتعزيز الأداء وتقديم حلول أكثر كفاءة.
هذه المقالة، التي كتبها أندرو وايت – Andrew White وشاركها معي، هي مقالة مفصلة و طويلة، بل هي مخطط أكثر من كونها مجرد مقالة، و هذه المدونة هي مجرد بداية لسلسلة من المدونات التي ستستكشف هذا المفهوم بعمق أكبر.
في الأجزاء القادمة، سأشارك المزيد من الأفكار والتفاصيل حول كيفية تطبيق هذا النهج، إلى جانب بعض الأدوات والاستراتيجيات التي يمكن أن تساعد المحامين والشركات القانونية في بناء نموذج مستدام للخدمات القانونية “الذكية”. تابعوا معنا لاكتشاف المزيد!
[…] الجزء الأول من هذه السلسلة، التي كتبها Andrew White وقمت بترجمتها، […]